سورة الزمر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها} قال الأخفش: الطاغوت جمع ويجوز أن تكون واحدة مؤنثه. وقد تقدم. أي تباعدوا من الطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها. قال مجاهد وابن زيد: هو الشيطان.
وقال الضحاك والسدي: هو الأوثان.
وقيل: إنه الكاهن. وقيل إنه اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت وهاروت وماروت.
وقيل: إنه اسم عربي مشتق من الطغيان، و{أن} في موضع نصب بدلا من الطاغوت، تقديره: والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت. {وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ} أي رجعوا إلى عبادته وطاعته. {لَهُمُ الْبُشْرى} في الحياة الدنيا بالجنة في العقبى. روي أنها نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم، سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا.
وقيل: نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وغيرهما ممن وحد الله تعالى قبل مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: {فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} قال ابن عباس: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به.
وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن.
وقيل: يستمعون القرآن وأقوال الرسول فيتبعون أحسنه أي محكمه فيعملون به.
وقيل: يستمعون عزما وترخيصا فيأخذون بالعزم دون الترخيص.
وقيل: يستمعون العقوبة الواجبة لهم والعفو فيأخذون بالعفو.
وقيل: إن أحسن القول على من جعل الآية فيمن وحد الله قبل الإسلام {لا إله إلا الله}.
وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي، اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم، واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم. {أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ} لما يرضاه. {وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ} أي أصحاب العقول من المؤمنين الذين انتفعوا بعقولهم.


{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)}
قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرص على إيمان قوم وقد سبقت لهم من الله الشقاوة فنزلت هذه الآية. قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان. وكرر الاستفهام في قوله: {أَفَأَنْتَ} تأكيدا لطول الكلام، وكذا قال سيبويه في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] على ما تقدم. والمعنى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ} أفأنت تنقذه. والكلام شرط وجوابه. وجئ بالاستفهام، ليدل على التوقيف والتقرير.
وقال الفراء: المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب. والمعنى واحد.
وقيل: إن في الكلام حذفا والتقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه، وما بعده مستأنف وقال: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ} وقال في موضع آخر: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ} [الزمر: 71] لأن الفعل إذا تقدم ووقع بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث، على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي بل الكلمة في معنى الكلام والقول، أي أفمن حق عليه قول العذاب.


{لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20)}
قوله تعالى: {لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} لما بين أن للكفار ظلا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف، لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا و{لكِنِ} ليس للاستدرار، لأنه لم يأت نفي كقوله: ما رأيت زيدا لكن عمرا، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى كقولك: جاءني زيد لكن عمرو لم يأت. {غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} قال ابن عباس: من زبرجد وياقوت {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي هي جامعة لأسباب النزهة. {وَعْدَ اللَّهِ} نصب على المصدر، لأن معنى {لَهُمْ غُرَفٌ} وعدهم الله ذلك وعدا. ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله. {لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ} أي ما وعد الفريقين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8